وقف أحدهم أمام القضاء المصري مطالبا بعدم نسبة ابنه له، بحجة أنه لا ينجب منذ سبع سنوات، وطلب إلغاء نسبة الطفل إليه، وعدم الاعتداد بشهادة الميلاد، فأحيلت الدعوة للطب الشرعي والذي أثبت عقم الرجل واستحالة نسب الطفل إليه، وأرفق الطب الشرعي تقريره بأن الزوج ليس له قدرة على الإنجاب، وقد أيد الطب الشرعي بقراره نتيجة البصمة الوراثية، وبتقرير بأنه لا توجد لديه حيوانات منوية، وبعد تداول الحكم، حكمت المحكمة بقبول دعواه، وإنكار نسبة الطفل إليه، وإلغاء شهادة الميلاد. هذا الحكم لم يقنع الزوجة ولم ترضه، فقدمت اعتراض إلى محكمة الاستئناف وقد أرفقت مع اعتراضها صورتين فوتوغرافيتين لها ولزوجها وهو يداعب الصغير، ولم يطعن في النسب في بداية الأمر، وهذا يعد قرينة منه بإقراره بنسبة الطفل إليه، فأصدرت محكمة الاستئناف حكما بإلغاء الحكم السابق، وبإثبات نسبة الطفل إلى والده، وذكرت في حيثيات القرار: أن العلاقة الزوجية كانت قائمة بين الرجل والمرأة، وأنها أنجبت الطفل بعد مرور المدة الكافية من الزواج، والزوج ممن يتصور الحمل من مثله عادة، وقد حدث بينهما اللقاء الشرعي، وليس من حق الرجل أن ينفيه إلا باللعان ومن شروط اللعان: أن يكون عند ابتداء الحمل وليس عند الولادة، والزوج لم يتخذ إجراءات الملاعنة وفق مقتضيات الشرع، مع أنه قد علم بحمل زوجته، وسكوته مدة الحمل مع علمه بعقمه وهذا يعد إقرارا ضمنيا منه بأن الجنين من صلبه، فليس له أن ينفيه بعد ذلك، هذا الحكم من محكمة الاستئناف هو المنسجم ـ من وجهة نظري – مع الشريعة الإسلامية إغلاقا لباب الشك والوسوسة. فالولد في الأصل كما جاء في الحديث (للفراش)، واللجوء للبصمة الوراثية غير مقبول في مثل هذه المسائل الحساسة التي قد تفسد العلاقات الزوجية، فالعقم في أساسه ليس مشكلة أو عائقا يحول دون الإنجاب، لأنه هبة من رب العالمين، قال تعالى: “يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور”، وقال تعالى: “ونقر في الأرحام من نشاء إلى أجل مسمى”، وقال تعالى: “ويجعل من يشاء عقيما” أي لا يولد له، وقيل هو الذي لا يلقح، وعندما ختم الله الآية بأن ذكر لنفسه صفتين واسمين عظيمين من أسمائه الحسنى “إنه عليم قدير” أي ذو علم بما يخلق وقدرة على خلق ما يشاء. والخلاصة إن مسألة الإنجاب ليست بيد البشر إنما هي بيد خالقهم، فمتى أذن للحيوان المنوي أن يلقح البويضة كان الولد بمشئية الله. وجاء في قرار أحد المحاكم إن كبر السن أو إجراء العمليات الجراحية في الإحليل لا تحول دون الإنجاب، ولحوق الولد بالزوج، لأن الإنجاب يتأتى في هذه الأحوال كلها. وقد جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في مثل هذه الأمور مخرجا، وهو اللعان في حال حدوث الشك عند بدء الحمل، لا عند ولادته أو بعده.
وأختم بما قاله ابن القيم “والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة والدعوى المجردة مع الإمكان وظاهر الفراش”، وقال ابن قدامة: “فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وأنه لا ينتفي إلا بأقوى دليل”، قرأت القصة من كتاب البصمة الوراثية، فأعجبتني فذكرتها لكم، ولنا لقاء.
قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
تويتر، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@
الرياض - ص.ب: 120969 - الرمز: 11689
فاكس وهاتف: 012414080
البريد الإلكتروني: s555549291@gmail.com