وَمِمَّا يُشِيعُهُ مُثِيرُو الشُّبُهَاتِ فِي بَعْضِ مُنْتَدَيَاتِهِمْ،وَإِعْلَامِهِمْ؛بَأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُقْتَلُ إِذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ،وَهَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛حَيْثُ أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ إِذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ،حَيْثُ قَالَ الْإَمَامُ اِبْنُ الْمُنْذِرِ،رَحِمَهُ اللهُ :" وَأَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْقَصَاصَ فِي النَّفْسِ"، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ،وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ،وَالشَّافِعِيُّ،وَأَصْحَابُهُ،وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ،وَمَذْهَبُ أَهْلِ الرَّأْيِ، فَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ،وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَثَبْتَ عَنْ عُمَرَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،( أَنَّه أَقَادَ رَجُلًا بِامْرَأَةٍ)،أَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ،رَضِيَ اُللهُ عَنْهُ ، مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ؛فَهُوَ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ- كَمَا قَالَ اِبْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ- بَلْ الثَّابِتُ عَنْ عَلِيٍّ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،( قَتْلُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ ) كَمَا صَحَّ عِنْدَ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ،وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ . وَالْمَسْأَلَةُ -كَمَا ذَكَرْتُ- مَحَلُّ إِجْمَاعٍ . وَدَلِيلُ قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ،قَوْلُ الْحَقِّ،تَبَارَكَ وَتَعَالَى :( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)[المائدة:45]، فَتَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ،صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،:" الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ .."( ) . وَفِعْلُ عُمَرَ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،(حِينَمَا قَتَلَ رَجُلًا بِامْرَأَةٍ)؛وَلِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً بِالْحِجَارَةِ؛فَأَمَرَ النَّبِيُّ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(بِرَجْمِهِ حَتَّى مَاتَ).رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . أَمَّا مَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) [المائدة:45] فَإِذَا كَانُوا فَهِمُوا مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى، فَلِمَاذَا لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تُقْتَلُ بِالرَّجُلِ ؟ فَقَدْ نَصَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ،وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى؛إِذًا فَمَا هُوَ مَفْهُومُ:(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى ) [المائدة:45]؟ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الرَّدُّ عَلَى مَا كَانَ يُفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،مِنْ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ أَنْ يَقْتُلُوا فَيمَنَ قَتَلَ أُنْثَى؛إِلَّا رَجُلًا ، فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ مِنَ الظُّلْمِ،وَأَكَّدَ عُقُوبَةَ الْقَصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ،دُونَ النَّظَرِ إِلَى جِنْسِهِ . فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ،فَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِأَحَدِ النَّوعَيْنِ إِذَا قَتَلَ الْآخَرَ، وَالْآيَةُ فِيهَا إِجْمَالٌ بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة:45]، فَلَمِ تُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ،وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَكُلُّ حُكْمٍ وَرَدَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ إِذَا عَارَضَهُ .
كَذَلِكَ اِعْتَرَضَ أَعَدَّاءُ الدِّينِ بِقَوْلِهِمْ: لَقَدْ ظُلِمَتِ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِ دِيَتِهَا نِصْفُ دِيَّةِ الرَّجُلِ . وَهَذَا مِنْ الْجَهْلِ وَالْحُمْقِ؛فَالْقولُ بِأَنَّ دِيَّةَ الْأُنْثَى بِنِصْفِ دِيَّةِ الذَّكَرِ؛تُنْقِصُ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ؛ لَا يَقُولُ بِهِ إلَّا أَصْحَابُ الْعُقُولِ الْخَاوِيَةِ الْمَرِيضَةِ . وَاللهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ،وَلْنَنْظُرْ: هَلْ ظَلَمَ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ الْأُنْثَى؛ بِكَوْنِ دِيَتِهَا نِصْفَ دِيَّةِ الرَّجُلِ،أَمْ أَنَّهَ أَنْصَفَهَا ؟ فَالْأَنْثَى حِينَمَا تَفْقِدُ عَائِلَهَا؛حَلَّتْ عَلَيْهَا مُصِيبَةُ فُقْدَانِ الْعَائِلِ؛فَأَلْزَمَ الإِسْلَامُ الْقَاتِلَ بِتَعْوِيضِهَا بِدِيَّةٍ كَامِلَةٍ،أَمَّا لَوْ قُتِلَتْ هِيَ، فَلَنْ يَنَالَ وَارِثُهَا إلّا نِصفَ الدِّيَّةِ، فَالْمَرْأَةُ عِنْدَ فَقَدْ الْعَائِلِ،عُوِّضَتْ أَكْثَرَ، وَنَالَتْ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرَ، أَمَّا الرَّجُلُ فَمَا سَيَنَالُهُ عِنْدَ فَقْدِهَا أَقَلُّ، فَأَيْنَ الظُّلَمُ الَّذِي زَعَمَهُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةُ ؟
-------------------------------
قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
تويتر ، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@
الرياض - ص.ب 120969 الرمز 11689
فاكس وهاتف : 012414080
البريد الإلكتروني
s555549291@gmail.com