|

19 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي


المظاهرات بين علماء المملكة وملالي إيران
بسم الله الرحمن الرحيم

(المظاهرات بين علماء المملكة، وملالي إيران)     بقلم الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي: عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعد :

فلقد انجلت بحمد الله ومنته عن بلادنا محنة كانت لها بوادر شر أراد أصحابها أن تأكل الأخضر واليابس ، روج لها دعاة شر وضلالة ، وأصحاب فتنة ظاهرة فحمى الله البلاد والعباد من كيدهم، ثم إنه بعد انكشاف الغمة، وزوال الكرب، قرأت كما قرأ  غيري نقدا من بعض أهل العلم في الخارج لعلماء المملكة العربية السعودية، حينما نقدوا المظاهرات، وحرموها ومنعوها، وما علموا بأن نقد علماء المملكة لمبدأ المظاهرات وتحريمهم لها دين يدينون الله به، فهم لا يجيزون المظاهرات مطلقا ، سواء كانت مناصرة لهم، أو عليهم، فمثلا: عندما قامت المظاهرات في إيران أمام السفارة السعودية ، لم تكن المملكة ولا علمائها عاجزين عن حشد ملايين المتظاهرين تأيدا لعرب الأحواز أمام السفارة الإيرانية، ولم تكن عاجزة أيضا عن السماح للملايين للتظاهر أمام السفارة الإيرانية في الرياض عند إسائتها للحرمين ، أو تدخلها في شئون الكويت والبحرين، فعلماء المملكة عندهم ثبات في الموقف، بخلاف ما يحدث في إيران حيث يقمعون المظاهرات التي ضدهم ، ويدعمون المظاهرات التي تؤيدهم، وما أعظم ما شبههم به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين؛ تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة) رواه مسلم من حديث ابن عمر، وفي لفظ ” تكر في هذه مرة ، وفي هذه مرة” فالشاة العائرة هي: المترددة الحائرة، لا تدري أيهما تتبع ، فتكر في هذه مرة، وفي هذه مرة ”  ، وهذا الحديث يبين أن المنافق شخص غير سوي في طباعه، ولا في مواقفه وتوجهاته ،فلا رأي له يثبت عليه ، ولا معتقد له ينافح عنه ، وإنما يبدل ويتغير تبعا للمواقف والأحداث كما قال تعالى: ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء )، وهذا يؤكد أن علماء هذه البلاد المباركة لا ينزعون إلى الأدلة حينما تكون معهم ، ويعرضون عنها حينما تكون ضدهم ، فهذه صفة أهل النفاق قال تعالى: ( وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون )، فالمظاهرات في بلادنا لا يلجأ إليها لا سلبا ولا إيجابا، لأن المظاهرات في أصلها وحقيقتها شر ولا تأتي بخير ، وإن جاءت بخير فهو منغمس في طيات شره ، فشرها أعظم من خيرها ، ظلمات بعضها فوق بعض ، وحتى لا يظن بأنني ألقي الكلام على عواهنه فإني أتساءل عما يلي :

1-    ما الهدف من المظاهرات؟ فإن قيل إنكار منكر.

فيقال وهل هذا  اسلوب لإنكار المنكر ؟ ، وهل هذا منهج شرعي للإنكار ؟ ، وعلى من ؟ على ولي أمر ولاه الله أمرنا ؟ الإنسان العادي لو أنكر عليه إنسان أمام ثلاثة أو أربعة لحزن وغضب ، وأزبد وأرعد ، وحق له ذلك ، فالإنكار لا يكون علانية ؛ لأن في ذلك إحراج وإهانة للمنكر عليه ، بل وإعانة للشيطان عليه ، فقد تأخذه العزة بالإثم لرفضه القاطع أن يوصف فعله بالمنكر ، فلا يتحقق من جراء ذلك هدف ، ولا ينال المُنكِر ما أراد.

2-    هل هذا المنكر الذي دعي لانكازه المتظاهرون منكر واحد متفق عليه فيما بينهم ، أم منكرات متعددة اتفق المتظاهرون عليها أو اختلفوا؟!، والغالب أن المتظاهرين ينكرون منكرات مختلف عليها فكل له مطلب ، وقد لا يكون هذا المطلب منكر شرعي ، وإنما هو منكر من قبل المطالب به ، فيكون من بين المتظاهرين من ينكر منع الخمور، وومنع محلات اللهو ودور الفسق ، والمتظاهر مع المتظاهرين يسعى لتحقيق هدفه ، فيكون بين المتظاهرين اختلاف في وصف المنكر ، واختلاف في المطالب ، فقد يكون الهدف الأصلي للمتظاهرين إنكار منكرات أيسر بكثير من مطالب بعض المتظاهرين  ، فعلم هنا أن المتظاهرين في الغالب لا يكونون على قلب رجل واحد .فالمظاهرات تحمل جميع طبقات المجتمع ،وماخبر مصر عنى ببعيد حيث جمعت مسلميها واقباطها،فلكل وجهة هو موليها

3-    ثم هل المتظاهرون خرجوا أفرادا أم جماعات؟ ، فإن كانوا أفرادا فمن القائد الذي سيطالب لهم بالمطالب ؟ ، وهل سيطالب بمطالب جميع المتظاهرين أم بمطالب محددة؟ ، فإن قيل بمطالب محددة فيقال هل اتفق عليها المتظاهرون أم اجتهد فيها من اجتهد ؟ فإن طالب بمطالب محددة فهل ستنتهي المظاهرات ؟ ، و من لم تتحقق مطالبه هل سيستمر في اعتصامه ومظاهرته وتشل الحركة، فتتعطل مصالح الناس  العامة والخاصة؟ ، وإن قيل سيطالب بمطالب جميع المتظاهرين ، فيقال هذ المحال بعينه ، فإن قلنا بأن المتظاهرين مائة ألف فلن تقل مطالبهم عن مئات المطالب إن لم تكن بالآف ، فذاك يطالب بحكومة دستورية وآخر بملكية شرفية ، وثالث بوزارة شخصية ، ورابع بدور فسق ومحرمات ومنكرات ، وخامس بوظائف ، وآخر بمنازل ، وآخر بمطارات لبلدته ، وهكذا في سلسلة طويلة  من المطالبات ، فيكون تحقيقها محالا

أ‌-- إما لكثرتها

ب‌- وإما لتعارض بعضها مع بعض ،  فبعض المتظاهرين مثلا ينكر حدوث اختلاط في بعض الأسواق ، وآخر يعترض على منع الاختلاط في بعض الأسواق ، فمطالبهم تتعارض مع بعضها البعض .

4-    وإن قيل إن المظاهرات قامت بها جماعات وأحزاب ، فيقال عنها مثل ما قيل عن الأول ، فالجماعات والأحزاب :

أ- فليس مقر شرعا وجود جماعات أو أحزاب في البلاد الإسلامية فولاء الجماعات والأحزاب كما لا يخفى لجمعاتهم وأحزابهم ، ولذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي حينما قال ( ياللأنصار ، وقال الصحابي الآخر يا للمهاجرين ) رواه البخاري ومسلم، قال بن تيمية رحمه الله : ( وكل من خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس ، أو مذهب أو طريقة ، فهو من عزاء الجاهلية : بل لما اختصم ) انظر الفتاوى 28/228 ، وانظر فضل الإسلام للإمام محمد بن عبد الوهاب بتعليق الإمام بن باز صـ21  فالرسول صلى الله عليه وسلم وصفها بدعوى الجاهلية مع أن الأنصاري والمهاجري من الألفاظ الشرعية المحمودة ، ولكنها خرجت هنا في غير مخرجها الشرعي فأنكرها النبي صلى الله عليه وسلم أيما إنكار فالأحزاب والجماعات لا تأتي بخير فالأخوة الإسلامية ووحدة الصف يجب أن يكون هو المقدم

ب – فالجماعات والأحزاب تتعارض مصالح بعضها مع مصالح البعض ، قد يتفقون على مطلب ويختلفون على مطالب، ولا شك أنه سيكون بينهم تصادم مصالح ، فهل ستحقق الدولة مطلب هذا أو مطلب ذاك؟، وفي النهاية ستستمر المظاهرات .

ج -  و كذلك لو كانت جماعات فهل هي جماعات دينية أم سياسية ؟، فإن قيل دينية فيقال هل هي سنية أم بدعية ؟ ، فإن قيل: سنية. فيقال: إن أهل السنة يجب أن يكونوا جماعة واحدة، فلا يقبل أن يكونوا جماعات أو أحزاب ، وأهل السنة والجماعة في الأصل منهجها قائم على عدم الخروج على الإمام لا بالسيف ولا باللسان إن كان علنيا ، وإن قيل جماعات سنية وبدعية وهذا هو الحاصل مع الأسف فيقال : كل جماعة لا ترضى إلا أن تكون في السيادة والرئاسة ، وهنا سيتفرق المجتمع وينقسم إلى دويلات وأفراد كل حزب بما لديهم فرحون ، وإن قيل: بل جماعات سياسية فيقال: هل أقر الشرع مثل هذا وارتضاه ؟ ، الجواب لا وما عرف في الإسلام مثل ذلك بل هو أمر محدث ، ناهيك عن أن مطالب الأحزاب السياسية لا تنتهي إلا بالرئاسة فهذا هو الهدف النهائي إن لم يحققه في مرحلة فسوف يجعله مطلبا في مرحلة قادمة ، و تعارض المصالح بين الأحزاب  المتنافسين أمر وارد و إن اتفقوا في وقت فلا شك سيختلفون في أوقات  فكل يبحث عن الزعامة والرئاسة و ربما أوردهم هذا الخلاف  إلى  حروب،  وقلاقل ، وما أحداث الأفغان عنا ببعيد ، فقتلاهم بعد سقوط الحزب الشيوعي أضعاف قتلاهم في الحرب مع الاتحاد السوفيتي ، فعندما سقط الروس ، تصارع رؤساء الأحزاب سنين عدة على الرئاسة فلم تتحد كلمتهم يوم ما ، ولم تستقر لهم دولة ، وهل هناك أعظم من الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي فقدوه من جراء صراع الأحزاب .

5-    هل المظاهرات منهج شرعي أم أنه مستورد ؟ و هل عرف عن سلف الأمة أو عن خلفها ؟ .

ا- الصحيح أنه ليس منهجا شرعيا وما عرفه السلف ، و محاولة اختراع الأدلة ولي أعناقها لا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال ،

ب_ولو فرضنا جدلا أنه مباح شرعا فهل مصالحه أعظم أم مفاسده؟الصحيح مفاسده ولوفرضنا وجود مصالح  فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح

ج-ولو فرضنا جدلا أن دعاة المظاهرات طلاب مصالح ، فهل المصالح في مطالبهم أعظم من المفاسد ، الصحيح أنه لا مقارنه ، والمفاسد غير ما ذكرت في النقاط الثلاث الماضية كثيرة ، و من ذلك ترويع الناس وتخويفهم وقد قال صلى الله عليه وسلم  في الحديث الصحيح ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ) رواه أبو داود وأحمد

إن القتل وإراقة الدماء أثبتتها التجارب، فالدنيا ومصالحها يجب أن يضحى بها للحفاظ على دماء المسلمين ، فكيف إذا كانت إراقة دماء أهل الإسلام لتحقيق مصالح إما فردية أو وقتية ، أو قد تنال بغير هذا المنهج ، فإراقة دماء أهل الإسلام يجب أن لا يستهان بها ، وكلام محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن يعظم ، وأن يؤخذ به وأن يقدم على الهوى ، ولا يجوز الاجتهاد لرده بتأويل متكلف أو قياس فاسد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم)  فهل سمعتم بمظاهرات لم تخلف قتلى واضطرابات وفوضى ، والغريب أن هذه المصالح جلها دنيوي ولا حول ولا قوة إلا بالله .

6-ثم على افتراض نجاح المظاهرات في بلد من البلدان فهل ستنجح في بلاد الحرمين وتحقق ما يرجى من نتائج ؟ الجواب قطعا بالنفي ؛  لما يلي :

أولا : أن تلك البلاد قوانينها وضعية لا شرعية ، وأقرت الانتخابات كوسيلة لمشاركة الشعب في الحكم ، فهل نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض  فنظامهم أصلا غير مقر بالشرع ، فهل ناخذ منه ما وافق الهوى ؟ ، فالأنظمة في تلك البلدان في غالبها تقر التعددية الدينية ، والأحزاب الوضعية ، فهل نستورد منهم هذا أيضا؟ .

ثانيا : عندما وقعت المظاهرات في البلاد العربية ماذا حدث ؟ غادر الأجانب تلك البلاد وأخلوها لأهلها ، فالعامل ما جاء إلا للاستقرار ، فهو أولا يبحث عن أمن نفسه ثم عن قوته ، فإن كان أمنه في خطر ، فقوته أشد خطرا ، ولذا غادرها مئات الآلاف في بضع أيام فتعطلت مصالحهم ، ونحن نتكلم عن بلدان يمارس أهلها جميع المهن ، وقد لا يكون للأجنبي تأثير كبير ، ومع ذلك فقدوه و شعروا بالفراغ وأغلقت الجامعات وعطلت المصالح ، ولو فرضنا جدلا قيام المظاهرات في بلادنا ، فهل سيبقى الأجانب أم سيغادرون ؟! الجواب المغادرة ، فستتعطل المستشفيات لمغادرة الآلف من الأطباء والممرضين والممرضات ، فحياتهم أهم من حياة المرضى، وما جاءوا لبلادنا حبا لمرضانا أو شفقة بهم ، جاءوا للقمة العيش التي كدر صفوها قلاقل وفتن ، وسيغادر مهندسو السيارات والطائرات وباعة البترول ومهندسوه ، وعمال المطاعم وعمال المباني ، والسائقون والخدم ، والكل يذكر حرب الخليج الأولى مع أن العدو لم يدخل ديارنا، وصفنا كان متحدا ، وأمننا كان مستقرا ، ومع ذلك غادرنا في الأيام الأولى من غزو الكويت عشرات الآلاف من عمال المصانع والأساتذة وغيرهم وعطلت المدارس ، فلا أدري ماذا يريد هؤلاء دعاة التظاهر وحاملو ألويته؟ ، فإني أقول: هل فكروا بالمآلات ؟، وهل تأملوا ما سيحدث ؟ ،  والحقيقة أنه لا يوجد مخرج لإقرار مثل هذا العمل الشنيع الذي لن يأتي إلا بما فيه إفساد للبلاد والعباد ، وزرع للرعب والخوف ، وتفريق للجمع وتفتيت للشمل وتحويل البلد إلى دويلات . والله المستعان

قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي