الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد... فإن من نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن جعل لنا مواسم للخير؛ ومن هذه المواسم يوم عاشوراء، ويوافق في هذا العام السبت 10/1/ 1439هـ الموافق 30/9/2017م، وهو يوم إجازة في جميع دول العالم؛ مما ييسر صومه على الصغار والكبار، فهذه فرصة يعز أن تحدث. ويجدر أن تستغل، فهي غنيمة باردة، ونعمة ظاهرة، ولي مع عاشوراء وقفات:
1- إن يوم العاشر يكفر سنة كاملة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ " رواه مسلم.
2- إن الأجر المترتب على تكفير السنة هو صيام اليوم العاشر فقط، ولو لم يصم يوما قبله أو بعده.
3- إن من صام يوما قبله - وهذا الأفضل - أو يوما بعده؛ حصلت له بذلك أجر المخالفة، فنال أجرا زائدًا على التكفير؛ من حيث أجر المخالفة وصيام يوم من محرم، (وهو أفضل الصيام عند الله بعد صيام رمضان) لما رواه مسلم.
5- يوم التاسع هو الأفضل أن يُصام قبل عاشوراء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم، ويوافق في هذا العام 1439هـ يوم جمعة، وهو إجازة في غالب الدول العربية والإسلامية؛ ففرصة سانحة أن يصومه المسلم، خاصة مع قصر النهار في هذه الأيام واعتدال الجو، ويغتنم عصر الجمعة في البقاء بالمسجد، وتلاوة القرآن والدعاء؛ لأن أرجى الساعات التي يستجاب بها في يوم الجمعة هي آخر ساعة؛ ففرصة سانحة أن تكون في المسجد وتدعو الله وأنت صائم ولو في بيتك؛ فاجتمع لك في هذا اليوم العظيم دعاء الصائم فدعوته مستجابة، والدعاء في آخر ساعة من عصر الجمعة الذي تستجاب فيه الدعوات؛ فهو نور على نور.
6- بالنسبة للحائض والنفساء، والمريض والمسافر؛ إن كان من عادتهم صيام يوم عاشوراء فإنا نرجو أن يحتسب لهم أجر الصيام لوجود مانع يمنعهم، لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رواه البخاري
7- من عليه قضاء فله أن يصوم عاشوراء ، ثم يقضى بعد ذلك، لان عاشوراء تفوت، ولو استثمر عاشوراء فصام القضاء فلاباس .ولكن بنية القضاء لا الجمع بين النيتنين.
8-عاشوراء في هذه السنة يوافق يوم السبت ويثار في الغالب حديث: (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِي مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْهُ)، وقد صححه شيخنا العلامة الألباني - رحمه الله- ولأهل العلم مع هذا الحديث وقفة، حيث رد عامة أهل العلم هذا الحديث، بل بالغ الإمام مالك - رحمه الله - في رده وقال: (هذا الحديث حديث كذب)، وقد رَدَّ عليه الإمام النووي – رحمه الله - بأن هناك أئمة صححوه. وقال أبو داود: (هذا الحديث منسوخ)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (هذا الحديث إما شاذ غير محفوظ وإما منسوخ) كما ذكر ذلك في الاقتضاء، وكان الإمام ابن شهاب يضعفه،وحكم عليه الحافظ بالاضطراب كما في البلوغ.
وقال ابن باز رحمه الله(حديث ضعيف شاذ مضطرب) والرجح أنه حديث منسوخ لايعمل به، ولو قيل بصحة الحديث ،فإنه يحتمل ما يلي:
أ- إن المقصود بالنهي إفراده بذاته، أما لو صامه بغير نية صيامه لذاته؛ فلا حرج في ذلك؛ لورود أحاديث تدل على صحة صيام يوم السبت، ومن ذلك أنه إذا صام يوما قبله؛ زال الإشكال لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده) رواه البخاري، وهذا الحديث نص واضح بجواز صيام يوم السبت في غير الفرض؛ لأن السبت هو الذي يلي الجمعة. فعلم أن المقصود: تخصيص السبت لذات السبت، أما من صام السبت لأنه يوم عاشوراء، أو عرفة، أو التاسع، أو أحد الأيام البيض، أو أحد أيام الست من شوال؛ فإنه لا يدخل في الحكم؛ لأنه لم يقصد بالصيام ذات السبت، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- كما في الاقتضاء: (ومنها: أنه كان يصوم شعبان كله، وفيه يوم السبت، ومنها: أنه أمر بصوم المحرم؛ وفيه يوم السبت، وقال: «من صام رمضان، وأتبعه ستًّا من شوال» " ( ) وقد يكون فيها السبت، وأمر بصيام أيام البيض وقد يكون فيها السبت، ومثل هذا كثير. انتهى كلامه رحمه الله.
ب- ولما رواه أحمد في المسند أن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت: (كان أكثر ما يصوم الرسول صلى الله عليه وسلم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم) رواه أحمد وغيره بسند حسن.
ج -واختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- جواز صيام يوم السبت ولو كان منفردًا، وبين بأن أكثر أهل العلم على عدم الكراهة، وقد فصلها في كتابه الاقتضاء، ومن هنا نعلم أن صيام يوم عاشوراء من السنن والمستحبات، لا فرق في صيامه بين سبت أو غيره من أيام الأسبوع، ولو أضاف معه يومًا قبله، أو بعده لكان خيرًا.
وفقنا الله وإياكم لصيامه وتقبله منا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.