الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عِبَادَ اللهِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمِ عَنْ عَمَلٍ عَظِيمٍ يَرْفَعِ اللهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، أَلَا وَهُوَ إِطْعَامُ الطَّعَامِ. حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَصْحَابِهِ: (أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثّـمَّ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَوَرَدَ فِي إِطْعَامِ الطَّعَامِ أَحَادِيثُ عَظِـيمَةٌ تُبَيِّنُ فَضْلَهُ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ». وَفِي إِطْعَامِ الطَّعَامِ أَجْرٌ جَزِيلٌ، مُدَّخَرٌ عِنْدَ اللهِ. قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا؛ أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ: أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ مِنْهَا» ؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا بِأَنَّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورً}. وَمِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَالْإِطْعَامُ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ. حَيْثُ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: « أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ». فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ؛ وَسِقْيُ الْمَاءِ، مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ؛ فَتَعَاهَدْ الْفُقَرَاءَ، وَالْأَقَارِبَ، وَالْجِيرَانَ؛ بِإِطْعَامِهِمُ الطَّعَامَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ»،رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَالْحَذَرَ - كُلَّ الْحَذَرِ - مِنْ إِنْفَاقِ الرَّدِيءِ مِنَ الطَّعَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ). وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مِنْ مُسْلِمٍ إِذَا أَطْعَمَ نَفْسَهَ أَطْعَمَهَا مِن طَيِّبِ الطَّعَامِ ، وَإِذَا تَصَدَّقَ تَصَدَّق بِالرَّدِيَء، فَهَلْ أَنْفَقَ هَذَا مِمَّا يُحِبُّ؟! وَمِثَالُ ذَلِكَ : نَجِدُ بَعْضَهُمْ إِذَا اِشْتَرَى لِنَفْسِهِ لَحْمًا؛ تَخَيَّرَ أَجْوَدَ الْأَنْوَاعِ وَأَطْيَبَهَا- وَلَوْ غَلَا ثَمَنُهَا - وَإِذَا اِشْتَرَى الَّلحْمَ للتَّصَدُّقِ بِهِ ، اِشْتَرَاهُ مُبَرَّدًا أَوْ مُجَمَّدًا، وَمِنْ أَرْدَئِ الْأَنْوَاعِ، لَا يُطِيقُ النَّظَرَ إِلَيْهِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْكُلَهُ . كَذَلِكَ إِذَا اِشْتَرَى لِنَفْسِهِ طَعَامًا تَخَيِّر أَنْظَفَ وَأَفْضَلَ الْمَطَاعِمِ الَّتِي يَثِقُ فِي جَوْدَةِ مَا تُقَدِّمُهُ، أَمَّا إِذَا اِشْتَرَاهُ للتَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَخْتَلِفُ عِنْدَهُ؛ فَتَجِدُهُ يَتَعَاقَدُ مَعَ مَطَاعِمَ رَدِيئَةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ سِعْرًا، وَلَوْ طَلَبْتَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لَامْتَنَعَ تَأَفُّفًا مِنْ طَعْمِهَا وَعَدَمِ نَظَافَتِهَا؛ وَيُبَرِّرُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ لَا تُفِيدُهُ؛ مِنْ قَبِيلِ أَنْ السَّعْرَ الأَقَلَّ يُمَكِّنَهُ مِنْ شِرَاءِ صَدَقَاتٍ أَكْثَرَ، وَبِالتَّالِي يُوَزَّعُ الطَّعَامَ عَلَى عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنَ الْفُقَرَاءِ. فَعَلَيْكَ – عَبْدَ اللهِ- بِالْوَسَطِ، لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ.
عِبَادَ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)، أَيْ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَى، لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ أَوْ حَيَاءٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَعَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يُعْنَى بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ بِتَقْدِيمِ أَطْيَبِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الطَّعَامِ، فَهَذَا مَنِ الإِيمَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)، وَحِينَمَا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ أَضْيَافًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانُوا فِي صُورَةِ بِشَرٍ، مَاذَا فَعَلَ ؟ قَالَ تَعَالَى:( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ) ، ثُمَّ قَدَّمَهُ لَهُمْ مَشْوِيًّا؛ لِيَكُونَ أَلَذَّ وَأَطَيَبَ. فعلينا أن نقتدي بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه عليه الصلاة والسلام، وببقية الأنبياء والصالحين كما قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
عِبَادَ اللهِ، كذلك عليك عند إِطْعَامِ الطَّعَامِ لِلأَهْلِ أن تحتسب الْأَجْرَ عِنْدَ اللهِ، فهو أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَلِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ،رَحِمَهُ اللهُ، :" أَكْثَرُ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ - يَعْنِي النَّفَقَةَ عَلَى الْعِيالِ - طَبْعًا وَعَادَةً ، لَا يَبْتَغُونَ بِهِ وَجْهَ اللهِ ، يَتَصَدَّقُ أَحَدُهُمْ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ عَلَى الْمِسْكِينِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى ، فَيَجِدُ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ للهِ ، وَيُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ أُلُوفًا فَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْهُ لِوَجْهِ اللهِ"، فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَحْضِرَ النِّيَّةَ وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ ، وَأَنْ يَحْتَسِبَ الْأَجْرَ عِنْدَ اللهِ ؛ حَتَّى يَكُونَ إِنْفَاقُهُ عِبَادَةً، لَا عَادَةً، وَهَذَا مِنْ تَمِامِ عَدْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُجَازِيَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ دُونَ إِسْرَافٍ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ قَصَّرَ فِي الْإِنْفَاقِ ؛ سَيُحَاسِبُهُ اللهُ ، قَالَ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَمَعْنَاهُ : مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ يُضَيِّعَ الْمَرْءُ مَنْ يَعُولُهُمْ أَوْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهٌمْ، فَيَتْرُكُهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ، أَوْ يُضَيِّقُ وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِمْ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمٌوا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ التَّرْهِيبُ مِنْ عَدَمِ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، أَوْ مَنْعِهِ عَمّنِ اِحْتَاجَ إِلَيْهِ. قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَعَدَمُ التَّوَاصِي بِالإِطْعَامِ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ . وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}. فَعَدَمُ إِطْعَامِ الطَّعَامِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ؛ وَمِثْلُهُ فِي الذَّمِّ مَنْ لَا يَحُثُّ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَلَا يَفْعَلُهُ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، وَيُيَسِّرَ لَنَا الْعَمَلَ بِهَا.
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبَيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَـمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِصْلِحْ لَنَا النِّــيَّــةَ وَالذُّرِيَّةَ وَالأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَاِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِـخَيْـرٍ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.