|

22 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

عباد الله: فَلْنُقَارِنْ بَيْنَ حَالِنَا فِي رَمَضَانَ وَحَالِنَا بَعْدَ رَمَضَانَ!! كُنَّا فِي صَلَاةٍ، وَقِيَامٍ، وَتِلَاوَةٍ، وَصِيَامٍ، وَذِكْرٍ، وَدُعَاءٍ، وَصَدَقَةٍ، وَإِحْسَانٍ، وَصِلَةِ أَرْحَامٍ! ذَاقَ بَعْضُنَا حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَلَذّةَ الدَّمْعَةِ، وَحَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ فِي الْأَسْحَارِ، وبعضنا كان ينفق نَفَقَةَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ، كُنَّا نَتَقَلَّبُ فِي أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُنَا: يَا لَيْتَنِي مِتُّ عَلَى هَذَا الْحَالِ! يَا لَيْتَ خَاتِمَتِي كَانَتْ فِي رَمَضَانَ! رَحَلَ رَمَضَانُ وَلَمْ يـَمْضِ عَلَى رَحِيلِهِ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَلَرُبَّمَا عَادَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِتَرْكِهِ، وَآَكِلُ الرِّبَا لِأَكْلِهِ، وَمُشَاهِدُ الْفُحْشِ لِفُحْشِهِ، وَشَارِبُ الدُّخَانِ لِشُرْبِهِ. فَنَحْنُ لَا نَقُولُ أَنْ نَكُونَ كَمَا كُنَّا فِي رَمَضَانَ مِنَ الْاِجْتِهَادِ.

وَلَكِنْ نَقُولُ: لَا لِلْاِنْقِطَاعِ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلْنَحْيَا عَلَى الصِّيَامِ، وَالْقِيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَلَوْ الْقَلِيلُ! هَا نَحْنُ وَدَّعْنَا رَمَضَانَ المُبَارَكَ، وَنَهَارَهُ الطَّــيِّــبَ، وَلَيَالِيَهُ الْعَطِرَةَ. هَا نَحْنُ وَدَّعْنَا شَهْرَ الْقُرْآَنِ، وَالتَّقْوَى، وَالصَّبْرِ، وَالْجِهَادِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْمَغْفِرَةِ، وَالْعِتْقِ مِنَ النَّارِ.

 فَمَاذَا جَنَيْنَا مِنْ ثِمَارِهِ الْيَانِعَةِ، وَظِلَالِهِ الْوَارِفةِ؟ هَلْ تَعَلَّمْنَا فِيهِ الصَّبْرَ وَالْمُصَابَرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ؟ هَلْ جَاهَدْنَا أَنْفُسَنَا وَشَهَوَاتِنَا وَانْتَصَرْنَا عَلَيْهَا؟ إِيَّاكُمْ وَتَرْكَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ. 

الْـحَذَرَ الْـحَذَرَ مِنْ تَضْيِيعِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الْجَمَاعَةِ! فَبَعْدَ امْتِلَاءِ الْمَسَاجِدِ بِالْمُصَلِّينَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ الَّتِي هِي سُنَةٌ؛ نَرَاهَا قَدْ قَلَّ روَّادُهَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ!! 

فَمِنْ عَلَامَاتِ قُبُولِ الْعَمَلِ أَنْ تَرَى الْعَبْدَ فِي أَحْسَنِ حَالٍ مِنْ حَالِهِ السَّابِقِ، وَأَنْ تَرَى فِيهِ إِقْبَالاً عَلىَ الطَّاعَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، أَيْ: زِيَادَةُ فِي الْخَيْرِ الْحِسِّيِ وْالْمَعْنَوِيِ، فَيَشْمَلُ الزِّيَادَةَ فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

فَلَوْ شَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ حَقَّ الشُّكْرَ، لَرَأَيْتَهُ يَزِيدُ فِي الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ، وَيَبْعُدُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. وَالشُّكْرُ تَرْكُ الْمَعَاصِي. هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُسْتَمِرًّا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، ثَابِتًا عَلَى شَرْعِهِ، مُسْتَقِيمًا عَلَى دِينِهِ، لَا يَعْبُدُ اللهَ فِي شَهْرٍ دُونَ شَهْرٍ، أَوْ فِي مَكَانٍ دُونَ آَخَرَ. لَا، وَأَلْفُ لَا، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّ رَمَضَانَ، هُوَ رَبُّ بَقِيَّةِ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ؛ قالَ تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود: 112]، وقال: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6].

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْـخُطْـبَـةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. 

أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

وَالْآَنَ بَعْدَ اِنْتِهَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَهُنَاكَ صِيَامُ النَّوَافِلِ: (كَالسِّتِ مِنْ شَوَالَ)، (وَالْاِثْنَيْنِ، الْخَمِيسِ)، (وَعَاشُورَاءَ)، (وَعَرَفَةَ)، وَغَيْرَهَا. 

وَبَعْدَ اِنْتِهَاءِ قِيَامِ رَمَضَانَ، فَقِيَامُ اللَّيْلِ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ: وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَثَّ النَّبِيَّ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى أَدَائِهَا بِقَوْلِهِ : " عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَمَقْرِبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمُكَفَّرَةٌ لِلْسَيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ مُطْرِدَةٌ لِلْدَاءِ عَنِ الْجَسَدِ" (رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ). 

وَقَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ -بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ- قِيَامُ اللَّيْلِ "، (رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ). 

وَقَدْ حَافَظَ النَّبِيُّ،-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقَامَ صَلَّى،-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آَدَمَ الْمَغْفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ- حَتَّى تَفَطَّرتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: " أَفَلَا أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً " (متفقٌ عليه).

فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنَالُ شَرَفَ مُنَاجَاةِ اللهِ تَعَالَى، وَالْأُنْسِ بِذِكْرِهِ فِي ظُلْمِ اللَّيْلِ، فَلْيَحْذَرِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُ لَا يُوفَّقُ لِقِيَامِ اللَّيْلِ مَنْ تَلَطَّخَ بِأَدْرَانِ الْمَعَاصِي. وَقِيَامُ اللَّيْلِ عِبَادَةٌ تَصِلُ الْقَلْبَ بِاللهِ تَعَالَى، وَسِمَاتِ النُّفُوسِ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ مَدَحَهُمْ اللهُ وَمَيَّزَهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ. قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

 وَالْآنَ بَعْد أَنْ انْتَهَتْ (زَكَاةُ الْفِطْرِ)، فَهُنَاكَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَهُنَاكَ أَبْوَابٌ لِلْصَدَقَةِ، وَالتَّطَوُّعِ، وَقِرَاءَةِ، الْقُرْآَنِ، وَتَدَبُّرِهِ؛ لَيْسَتْ خَاصَةً بِرَمَضَانَ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَهَكَذَا. فَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ زَمَانٍ. 

فَاجْتَهِدُوا فِي الطَّاعَاتِ. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَسَلَ وَالْفُتُورَ! فَاللهَ، اللهَ فِي الاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ فِي كُلِّ حِينٍ! فَلَا تَدْرُوا مَتَى يَلْقَاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ فَاْحَذُروا أَنْ يَأْتِيكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى مَعْصِيَةٍ!

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.