|

22 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْخُطْبَة الْأُولَى:

عِبَادَ اللَّهِ، الصَّلَاةُ عَمُودُ الدِّينِ، وَهِيَ مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ. حَيْثُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

وَفِي الصَّلَاةِ الرَّاحَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ: "يَا بِلَال، أَقِمْ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَغَيْرُهُ.

فَفِي الصَّلَاةِ يَلُوذُ الْإِنْسَانُ بِرَبِّهِ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، وفِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ الْمَهْمُومِ، وَنَجَاةُ الْمَكْرُوبِ، وَنُصْرَةُ الْمَظْلُومِ.

قَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".

عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالْأَهْلِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"، وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛قال الله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا".

وَاسْتَمِعْ إِلَى دُعَاءِ قَائِد الْحُنَفَاءِ، وَأَبِي الْأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ حَيْثُ قَالَ: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ". فَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ هُوَ وَذُرِّيَّتِهِ، وَلَا يُفْلِحُ إِلَّا مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ. قَالَ تَعَالَى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ". 

وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ مُقِيمِي الصَّلَاةِ ،والْمُنْفِقِينَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، بِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ؛ قَالَ تَعَالَى:(  

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )

عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ فِي الصَّلَاةِ اطْمِئْنَانًا للقلب، وَرَاحَةً لِلْبَالِ، وَطِيبًا لِلنَّفْسِ، وَانْشِرَاحًا لِلصَّدْرِ، وَزَوَالًا لِلْهَمِّ وَالْغَمِّ؛ لِأَنَّ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ ذِكْرًا لِلَّهِ، بَلْ كُلُّ أَرْكَانِ، وَوَاجِبَاتِ، وَمُسْتَحِبَّاتِ الصَّلَاةِ، ذِكْرُ اللَّهِ.

قَالَ تَعَالَى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" وكُلُّ إِنْسَانٍ لَا بُدَّ لَهُ مَا يَوْجَلُ مِنْهُ قَلْبُهُ، وَتَخَافُ نَفْسُهُ، وَيَعِيشُ فِي قَلَقٍ وَاضْطِرَابٍ، وَمَا أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الاِطْمِئْنَانَ مَعَ ثَبَات الْقَلْبِ؛ فَفِي السُّجُودِ لِلَّهِ غَايَةُ الْأُنْسِ وَالسَّعَادَةِ، وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ، لِذَا قَالَ تَعَالَى: "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ".

فَالْقُرْبُ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِي السُّجُودِ اسْتِكَانَةً وَاطْمِئْنَانًا، وَالْتِجَاءً يَقْتَضِي إِلْطَافَهُ تَعَالَى، وَإِجَابَةً لِدَعَوَاتِهِمْ، وتحقيقًا لِرَغَبَاتِهِمْ، فَالصَّلَاةُ جَالِبَةٌ لِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَنَيْلِ الْمَقْصُود.

عِبَادَ اللَّهِ، لَوْ بَحَثْنَا عَنْ شَرَفٍ؛ فَلَنْ نَجِدَ شَرَفًا أَعْظَمَ بَعْدَ عِبَادَةِ اللَّهِ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ عِبَادَتِهِ بِالصَّلَاةِ. لَقَدْ شَرَّفْنَا اللَّهُ وَأَكْرَمَنَا بِالصَّلَاةِ، وَجَعَلَهَا لَنَا قُرْبَةً وَعِبَادَةً؛ فَعَجَبًا وَاللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يَعْرِفُ اللَّهَ، ويُنَادِيهِ المُنَادٍ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ؛ فَيَتَقَاعَسَ أَوْ يَكْسَلَ، وَهَذَا الْمَدْعُوُّ الْمُتَكَاسِلُ لَوْ دُعِيَ لِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَوْ قَلِيلًا لَوَجَدْتَهُ مُبَادِرًا، وَيَأْتِي إِلَيْهَا مُهَرْوِلاً لَا مَاشِيَاً،

قال النبي ﷺ (والذي نَفْسِي بيَدِهِ لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَذَاكَ وَرَبِّي مِنْ الْخُذْلَانِ الْمُبِينِ وَالْخُسْرَانِ الْعَظِيمِ، وَتَوَعَّدَهُمْ اللَّهُ بِالْعَذَابِ الْمُبِينِ. قَالَ تَعَالَى: " فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ". فَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ اسْمُهُ "وَيْل"، وَوَعَدَهُمْ بِوَادٍ آخِرَ مَنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ اسْمُهُ "غَيًّا".

قَالَ تَعَالَى: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا". 

فَعَجَبًا وَاللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْقُلُوبِ الْقَاسِيَةِ؛ الَّتِي تَسْمَعُ لِمِثْلِ هَذَا الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ولا تَرْعَوِي !

حَمَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .

  أمَّا بَعْدُ … عِبَادَ اللهِ، فَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ مُجَاهَدَةَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، فلَقَدْ جَاهَدَ مَعَنَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَصَبَرُوا، وَكَانُوا فِي غَايَةِ النُّصْحِ وَالرَّحْمَةِ بنا، وَتَحَمَّلُوا الْمَشَاقَّ وَالْمَصَاعِبَ مِنْ أَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ ;.

فَمَا بَال بَعْضنَا تَكَاسَلَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ، وَحَثِّهِمْ وَحَظِّهِمْ، وَمُتَابَعَتِهِمْ وَمُجَاهَدَتِهِمْ؛ حَتَّى أَصْبَحَ بَعْضُ الْآبَاءِ يَكْتَفونَ بِعِبَارَة "صَلُّوْا" ثُمَّ يَخْرُجُ دُونَ أَنْ يُتَابِعَهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَدُونَ أَنْ يُوَجِّهَهُمْ إِذَا حَصَلَ التَّخَلُّفُ مِنْهُمْ، وَكُلَّمَا تَقَاعَسَ جِيلٌ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ لِلصَّلَاةِ، جَاءَ الْجِيلُ الَّذِي بَعْدَهُ أَضْعَفَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ؛ حَتَّى تَكُونَ النَّتِيجَةُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ، وَذَاكَ وَرَبِّي هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين.

عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يَسِيرُوا عَلَى نَهْجِ أَسْلَافِهِمْ بِأَمْرِ أَبْنَائِهِمْ بالصَّلَاةِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا. ولَقَدْ أَمَرَ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ نَأْمُرَهُمْ وَهُمْ أَبْنَاء سَبْعِ سِنِينَ، وَأَنْ نَضْرِبَهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ. )رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ هُوَ فَلَاحٌ لِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَقَدْ عُرِفَ عَنْ أُمَّهَاتِ السَّلَفِ حِرْصُهُنَّ عَلَى أَبْنَائِهِنَّ؛ فَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ تُسَخِّنُ الْمَاءَ فِي الْبَرْدِ الْقَارِسِ لِأَبْنَائِهَا، وَيَذْهَبْنَ بِهِمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ حِرْصًا عَلَيْهِمْ، وتَرْبِيَتِهِمْ إِذَا كَانُوا أَيْتَامًا، وَإِذَا كَانَ الْآبَاءُ مُتَوَاجِدُوْنَ، فَكَانُوا يَقُومُونَ بِاصْطِحَابِهِمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ.

فَعَلَيْنَا عِبَادَ اللَّهِ أَلَّا نَتَقَاعَسَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِنَا لِلصَّلَاةِ، وَحَثِّهِمْ عَلَيْهَا، فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ.