|

22 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

خُطْبَةُ صَوْت النَّقِيضِ وَخَوَاتِيم سُورَةِ الْبَقَرَةِ

الْخُطْبَةُ الْأُولَى: 

عِبَادَ اللهِ؛ اسْتَمِعُوا إِلَى هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي يُثْلِجُ صَدْرَ كُلِّ مُسْلِمٍ.. خَبَرٍ عَجِيبٍ ؛؛ عَنْ ابْنِ عْبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: "بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا الْيَومَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ" رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه؛

يُبَشِّرُ هَذَا الْمَلِكُ ؛نَبِيَّ الْهُدَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ؛ الِّتِي يَسْعَدُ لَهَا كُلُّ مُسْلِمٍ، "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا".

وَمَعْنَى نَقِيْضاً:صَوْتُ الْبَابِ إِذَا فُتِحْ؛وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ- انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّماءِ السَّادِسَةِ، إلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشَى}، قالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَواتِ الخَمْسَ، وأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شيئًا، المُقْحِماتُ. )رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِه.

المُقْحِماتُ الذُّنُوبُ الْعِظَامُ الْكَبَائِرُ الَّتِي تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا وَتُورِدُهُمُ النَّارَ وَتُقْحِمُهُمْ إِيَّاهَا، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-(أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ؛ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَأِ الْآيتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنِّي أُعْطِيتُهُمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الِّذِي لَا تَقِلُّ دَرَجَتُهُ عَنْ الْحَسَنِ، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-(إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ بِألفَيْ عَامٍ، أنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ، خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنْ الْحَسَنِ. 

عِبَادَ اللهِ؛ إِنَّ لِسَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ سَبَبًا يدل على  فضل الصحابة رضوان الله عليهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ}، قالَ: فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلاةَ وَالصِّيامَ، وَالْجِهادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا ألْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قَالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا} قَالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ} قالَ: نَعَمْ {واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ} قالَ: نَعَمْ).

أَخْرَجُهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ}قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْها شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا) قَالَ: فألْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا، أوْ أخْطَأْنا} قالَ: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا} قالَ: قَدْ فَعَلْتُ {واغْفِرْ لنَا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا} قالَ: قَدْ فَعَلْتُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. 

عِبَادَ اللهِ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كفَتَاه". رَوَاهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

فكَفَتَاهُ هَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ؛ تَحْمِلُ مَعَانِيَ عَدِيدَة؛فكَفَتَاهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ،وَكَفَتَاهُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا سِوَاهَا مِن الْآيَاتِ ،وَكَفَتَاهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَمِنْ كُلِّ أَذًى،وكَفَتَاهُ  شَرِّ الشَّيَاطِينِ والْإِنْسِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مَنْ بِهِ شَرٌّ، ةً، وَيَبْدَأُ اللَّيْلُ؛ من غياب الشمس؛مُنْذُ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، إِلَى قُبَيْل طُلُوْعِ الْفَجْر؛وَلَيْسَتْ كَمَا يَتَوَهَّمُ الْبَعْضُ، أَنَّهَا لا تُقَال  إِلَّا عِنْدَ النَّوْمِ، فَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَوْرَادِ الَّتِي تُقْرَأُ عِنْدَ النَّوْمِ، وَإِنَّمَا وَقْتهَا فِيهِ مُتَّسَع، فَهِيَ تقرأ  فِيْ  أَيْ وَقْتٍ مِنَ اللَّيْلِ .

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.