|

22 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

الْخُطْبَةُ الْأُولَى: 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَسْعَى لِمَعْرِفَةِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ, فَيَأْتِيَهُ وَمَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَجْتَنِبَهُ . قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيةَ؛رحمنا الله وإياه : 

أَمَّا الأَعْمَالُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ -مِنَ الوَاجِبَاتِ وَالمُسْتَحِبَّاتِ, الظَّاهِرَةِ وَ البَاطِنَةِ- فَكَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَلِكَ حُبَّهُ لِأَهْلِهَا أَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِينَ، وَقَدْ دَلَّ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتٍّفَاقُ سَلَفِ الأُمَّةِ عَلَى أَنَّ اللهَ يُحِبُّ وَيَرْضَى, يُحِبُّ الْمَأْمُورَاتِ دُونَ المَنْهِيَّاتِ, وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَالتَّوَابِينَ وَالْمُتَطَهِّرِينَ. فَالأُمَّةُ مُجْمِعَةُ عَلَى أَنَّ اللهَ يُحِبُّ وَيُحَبُّ. الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَحْبَابِكَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تُحِبُّهُمْ وَتَرْضَى عَنْهُمْ.

عِبَادَ اللهِ, إِنَّ مَحّبَةَ الصَّحَابَةِ لِلْخَيرِ, وَحِرصَهُمْ عَلَيهِ, بَلَغَ مَدَاهُ وَغَاَيتَهُ وًمُنْتَهَاهُ، فَنَقَلُوا لَنَا هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ، وَسِيرَةَ النَّبِيِّ الأَمِينِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيهِ.وَهَا هُوَ صَحَاِبيٌ جَلِيلٌ, يَنْقِلُ لَنَا مَوْقِفاً مِنْ مَواقِفِهمْ, مَعَ النَّبِيِ،صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ لَنَا بِجَلَاءٍ وَوُضُوحٍ, بَعْضً الْأَعْمَالِ الَّتِي تُحَبِبُنَا إِلَى رَبِّنَا, جَلَّ وَعَلَا، فَهَا هُوَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ,- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذِي تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالْقُرآنِ، وَكَانَ مِنْ أَعْمِدَةِ الحِلَقِ فِي الْمَسَاَجدِ, فكَمْ نَقَلَ لَنَا هَذَا الصَّحَابِيُ الجَلِيلُ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – مَا يَزِيدُنَا حُبَّاً لِلقُرْآنِ,وحباً لِلْمُكْثِ فِي المَسَاجِدِ، فهَا هُوَ يَنْقُلُ لَنَا موَقَفاً مَرَّ بِهِ مَعَ النَّبِي،صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لِنَعْرِفَ مَا عَرَفَ, وَنَسْتَفِيدَ كَمَا اسْتَفَادَ ، يُقُولُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَعَلَّقْتُ بِقَدَمِ رَسُولِ اللهِ ,صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةَ (هُودٍ), وَسُورَةَ (يُوسُفَ)،يَقُولُ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ, عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَاعُقْبَةُ اِبنَ عَامِرٍ: ( إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلا أَبْلَغَ عِنْدَهُ مِنْ :(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)،وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)؛ ((فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تَفُوتَكَ فِيِ صَلَاةٍ فَافْعَلْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

اللهُ أَكْبَرُ: مَا أَعَظَمَ هَذَا النَّبِيَّ ,وَ أَحْرَصَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ, وَأَنْصَحَهُ لَهُمْ, يَسْأَلُهُ الصَّحَابِي أَنْ يُقْرِأَهُ مِنْ السُّورِ الطِّوَال, فَعَلَمَ النَّبِيُّ،صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ, مَدَى حُبِّهِ وَحِرْصِهُ, وَدَافِعِهِ, فَأَرْشَدَهُ إِلَى مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللهِ ممَا طَلَبَهُ، فَكَلَام ُاللهِ كله عَظِيمٌ, وَمُحَبَبٌ إِليِه،فَالقُرْآنُ العَظِيمُ, عَظِيمٌ عِندَ اللهِ، وَعَظِيمٌ عِندَ رَسُولِ اللهِ ,صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَعَظِيمٌ عِندَ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَلَكِنْ بَعضُه عِندَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَحَبُ مِنْ بَعْضٍ. وَقِصَرُ هَذِهِ السُّورَةِ لَمْ يَمْنَعهَا أَنْ تَكُونَ أَحَبَ الكَلَامِ إِلَى اللهِ, فَقُلْ :(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)مِنَ السُّوَرِ العِظَامِ, التِي اشْتَمَلَتْ عَلَى التَّوْحِيدِ, حَيْثُ تُلْجِيءُ العِبَادَ إِلَى رَبِّ العِبَادِ,عَزَّ وَجَلَّ، فَإِلَيْهِ المُشْتَكَى وَ المُلْتَجَى وَإِلَيْهِ المُعَاذُ, فَبِهِ يُسْتَعَاذُ, وَهُوَ القَوِىُ الجَبَّارُ. عِبَادَ اللهِ :كَانَ النَّاسُ فِي جَاهِلِيَّتهِمْ يَخْشُونَ (الجَانَ) وَيَخَافُونَهُمْ وَيَسْتَعِيذُونَ بِهِمْ خَوْفاً مِنْهُمْ ,قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً))كَانُوا يَسْتَعِيذُونَ مِنْ أَسْيَادِ الوَادِي, فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الوَادِي .

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ. قَالَ عُقْبَةَ: «فَأَمَّنَا بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَالنَّسَائِيُّ،وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُقَيْبُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَأَنِي (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقَيْبُ ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيح،وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ  ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِ أَصْحَابِهِ: يَا ابْنَ عَابِسٍ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. 

عِبَادَ الله:إِنَّ لَهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الإِسْلَامِ,وهَا هُوَ عُقْبَةُ بَنُ عَامِرٍ,- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُحَدِّثُنَا عَنْ فَضْلِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ العَظِيمَتَيْنِ, فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُ:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، رَوَاهُ مُسْلِمُ فِي صَحِيحِهِ.وَفِي رِوَايةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أيْضاً: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطْ المِعٌوذَتَيْنِ) . فَهَاتَانِ السُّورَتَانِ مِنْ أَحَبِ الكَلَامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَعْظَمِ سُوَرِ القُرْآنِ ، وَمِنْ أَيْسَرِ سُوَرِهِ, مَعَ تَيْسِيرِ اللهِ العَظِيمِ لِسَائِرِ كَلَامَهُ، قَالَ تَعَالَى:(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر : 17 ]. وَلَقَدْ أَرْشَدَتْ هَذِهِ السُّورَةُ العَظِيمَةُ بِأَنَّ المُسْتَعَاذَ بِهِ هُوَ اللهُ، وَالمُسْتَعَاذُ مِنْهُ شِرَارُ مَا خَلَقَ اللهُ؛ فَأَكْثِرُوا مِنْ قِرَاءَتِهِمَا فِي أَوْرَادِ اللَّيلِ وَالْمَسَاءِ، وَقَبْلَ النَّوْمِ، وَعَلِّمُوهُمَا لِأَوْلَادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ .

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.