|

19 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْـخُطْبَةُ الأُولَى 

   إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. 

أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ التَّطَيُّـرَ وَالتَّشَاؤُمَ بِـمَرْئِيٍّ، أَوْ مَسْمُوعٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ مَكَانٍ، شِرْكٌ بِاللهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِغَيْـرِ اللهِ، وَسُـمِّيَ التَّطَيـُّـرُ تَطَــيُّــرًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمُ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِالطَّــيْـرِ إِذَا طَارَ عَنِ الْيَسَارِ، وَيَتَفَاءَلُونَ بِهِ؛ إِذَا طَارَ عَنِ الْيَـمِيْـنِ؛ حَتَّـى غَلَبِتِ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَالتَّـطَـيُـرُ وَالتَّشَاؤُمْ حُكْمُهُـمَا وَاحِدٌ؛ سَوَاءَ حَدَثَ بِالطَّـيـرِ أَوْ بِغَيْـرِهِ. 

 فَقَدْ تَشَاءَمُوا مِنْ أَيَّامٍ وَأَشْهُرٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْعَاهَاتِ الْـجَسَدِيَّةِ، وَللهِ دَرُّ مَنْ قَالَ: 

وَمَا عَاجِلَاتُ الطَّـيْـرِ تُدْنِى مِنَ الْفَتَـى                         نَـجَاحًا وَلَا عَنْ رَيْثِهِنَّ قُصُورُ

لَعَمْرِكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالْـحَصَى                           وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّـيْـرِ مَا اللهُ صَانِعُ

عِبَادَ اللهِ، الطِّيَـرَةُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ). رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ) رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَجَعَلَ الإِسْلَامُ التَّـطَـيُّـرَ شِرْكًا لِاعْتِقَادِ الْمُتَطَـيِّـرِ أَنَّ الْمُتَطَـيَّــرَ مِنْهُ بِيَدِهِ نَفْعٌ أَوْ ضَرٌّ. وَالتَّـطَــيُّــرُ نَاهِيكَ عَلَى أَنَّهُ شِرْكٌ؛ فَهُوَ يَـجْلِبُ الْوُسَاوِسَ وَالْـهُمُومَ عَلَى الْمُتَطَــيِّــرِ؛ قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِـمَهُ اللهُ تَعَالَى : " وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُعْتَـنِـيًا بِالطِّــيَـرَةِ؛ فَهِي أَسْرَعُ إِلَيْهِ مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْحَدَرِهِ، وَقَدْ فَتَحَتْ لَهُ أَبْوَابَ الْوُسْوَاسِ فِيمَا يَسْمَعُـهُ وَيَرَاهُ، وَيَفْتَحُ لَهُ الشَّيْطَانُ فِيهَا مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَيُكَدِّرُ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ، وَالْمُتَطَـيِّـرُ مُتْعَبُ الْقَلْبِ، يَتَخَيَّلُ مِنْ كُلِّ مَا يرَاهُ أَو يَسْمعُهُ أَشَدُّ النَّاسِ خَوفًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَضْيَقُ النَّاسِ صَدرًا، وَأَحْزَنُـهُمْ قَلْبًا، كَثِيـرُ الِاحْتِرَازِ وَالْمُرَاعَاةِ لِمَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ، وَكَمْ قَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ مِنْ حَظٍّ؟ وَمَنَعَهَا مِنْ رِزْقٍ، وَقَطَعَ عَلَيْهَا مِنْ فَائِدَةٍ(蜉)

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ النَّاسَ فِي الطِّـيـَرَةِ أَقْسَامٌ:

الأَوَّلُ : مَنْ يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي التَّطَـيُّـرِ، كَمَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةً قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا، كَكَلِمَةِ: مَا يَتَمُّ، أَوْ مَا يُفْلِحُ، فَيَتْـرُكُ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِسَبَبِ تَشَاؤُمِهِ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَاتِ؛ فَهَذَا قَدْ وَلَـجَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ!

الثَّانِي: مَنْ إِذَا وَقَعَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى الطِّـيَـرَةِ تَطَـيَّـرَ وَخَافَ، كَمَنْ سَـمِعَ كَلِمَاتٍ مَكْرُوهَةً عِنْدَ إِقْدَامِهِ عَلَى أَمْرٍ مَا، لَكِنَّهُ لَـمْ يَتْـرُكْ مَا بَدَا لَهُ فِعْلُهُ، وَلَكِنَّهُ يَـمْضِي فِي خَوْفٍ وَقَلَقٍ، وَيَـخْشَى مِنْ تَأْثِيـرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ عَلَيْهِ. فَهَذَا أَهْوَنُ مِنَ الأَوَّلِ حَيْثُ لَـمْ يـُجِبْ دَاعِيَ الطِّـيَـرَةِ بِتَركِ الْفِعْلِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يـمْضِيَ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللهِ تَعَالَى، دُونَ خَوْفٍ أَوْ قَلَقٍ.

 الثَّالِثُ: مَنْ لَا يَتَطَيَّـرُ، وَلَا يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي التَّـطَـيُّـرِ، وَإِنَّـمَا يَسْلُكُ مَسْلَكَ الاِسْتِخَارَةِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَالْعَمَلِ بِـمَا شَرَعَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَسْبَابِ، وَلَـمْ يَـجْعَلِ الْفَأْلَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا الطِّـيَـرَةَ نَاهِيَةً لَهُ عَنْ الْفِعْلِ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللهِ، وَأَرْفَعِهِمْ دَرَجَةً عِنْدَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، قالوا: من هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال: هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ، للتَّـطَـيُّـرِ صِوَرٌ كَثِيـرَةُ:

1- فَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِالزَّمَانِ، حَتَّـى شَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْـجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الـْمَرْأَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ فِي شَوَّالَ لَـمْ تُوَفَّقْ فِي زَوَاجِهَا، وَلَنْ يُـحِبَّهَا زَوْجُهَا. وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»، قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 

2- وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، أَوْ بِشَهْرِ صَفَرَ وَيَقُولُونَ: لَو تَزَوَّجَ فِيهِ الإِنْسَانُ، أَوْ وُلِدَ لَهُ فِيهِ وَلَدٌ، أَوْ سَافَرَ فِيهِ، أَوْ عَمِلَ فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُوَفَّقُ. وَهَذَا بَاطِلٌ، فَلَا أَثَرَ لِلْيَوْمِ، وَلَا للشَّهْرِ فِي تَفَاؤُلٍ وَلَا تَشَاؤُمَ. فَالْأَرْبِعَاءُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، وَصَفَرُ كَغَــيْـرِهِ مِنَ الشُّهُورِ؛ لَا تَشَاؤُمُ فِيهِ وَلَا تَفَاؤُلُ. لِذَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ» رَوَاهُ الْبُخًارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَالأَشْهُرُ وَالأَيَّامُ أَزْمِنَةٌ، لَا تَـمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا؛ فَالْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَفِي سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ. 

3- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ عِنْدَ سَـمَاعِ  صَوْتِ الْبُومَةِ؛ فَيَقُولُ: إِنَّـهَا نَاعِبَةٌ لِمَيِّتٍ، أَوْ مُـخْبِـرَةٌ بِشَرٍّ؛ فَكَأَنَّـهَا عِنْدَهُمْ تَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ. 

4- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِـمُلَاقَاةِ الأَعْوَرِ، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْأَمْرَاضِ، فِي سَفَرِهِ أَو بُكُورِهِ. 

5- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ مِنْ مَكَانٍ مُعَـيَّـنٍ، أَوْ شَهْرٍ مُعَـيَّـنٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ حَادِثٌ، أَو لِقَرِيبٍ أو عَزِيزٍ لَدَيهِ؛ فَإِذَا مَرَّ عَلَيهِ، أَوْ سَـمِعَ بِهِ؛ اِنْقَبَضَ قَلْبُهُ، وَتَوَجَّسَ مِنْهُ خِيفَةً، وَهَذَا مِنَ التَّطَيُّرِ. فَمَا عَلَاقةُ هَذِهِ الْـمَخْلُوقَاتِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَبِتَصْرِيفِ اللهِ لِلْكَوْنِ؟ فَهَذِهِ مِنَ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ؛ فَعَلَى الْـمُسْلِمِ أَنْ يَثِقَ بِاللِه، وَيَـمْضِيَ لِـحَاجَتِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، مُسْتَعِيذًا بِاللِه مِنَ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.

6- وَبَعْضُ الْغَرِبِيِّـيـنَ يَتَشَاءَمُ مِنْ الرَّقَمِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ لِدَرَجِةٍ دَفَعَتْ بَعْضَ الْـخُطُوطِ الْـجَوِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ إِلَى إِلْغَاءِ هَذَا الرَّقَمِ مِنْ مَقَاعِدِهَا، وَبَعْضُ الْفَنَادِقِ أَلْغَتْ الرَّقَمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَدْوَارِهَا. فَسُبْحَانَ اللهُ! فَمَا الْعِلَاقَةُ بَيْـنَ هَذَا الرَّقَمِ وَمَا يَقَعُ لَـهُمْ مِنْ حَوَادِثَ مُـحْزِنَةٍ؟!

7-وَكَذَلِكَ تَفَاءَلَ بَعْضُ الْغَرْبِيِّيـنَ وَتَشَاءَمَ مِنَ التِّمسَاحِ (هَارِي)، وَالأَخْطَبُوطِ (بُولْ) فِي مُنَافَسَاتِـهِمُ الرِّيَاضِيَّةِ. يَـحْدُثُ هَذَا مَعَ اِدِّعَاءِ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَالَـمَ- وَخَاصَّةً الْغَرْبِيَّ- قَدْ تَعَدَّى هَذِهِ الْـخُرَافَاتِ وَالشِّرْكِيَّاتِ. وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْـجَهْلِ الْمُطْبِقِ؛ فَعِبَادَةُ الأَشْجَارِ، وَالأَحْجَارِ، وَالْـحَيَوَانَاتِ، وَالأَضْرِحَةِ، وَالْقُبُورِ فِي عَصْرِنَا هَذَا وَقَعَ فِيهَا أُنَاسٌ حَصَلُوا عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَفِي تَـخَصُّصَاتٍ نَادِرَةٍ؛ لَا تَـخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَوْ مُطَّلِعٍ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ، وَأَنْ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ؛ نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ......

 

الخطبة الثانية 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، وَمَنِ اِبْتُلِيَ بِالتَّـطَـيُّـرِ فَعِلَاجُهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ  تَعَالَى، وَعَدَمِ الاِلْتِفَاتِ إِلَي التَّـطَـيُّـرِ وَبَوَاعِثِهِ، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنَ الْـخَوْفِ وَالْوَجَلِ؛ فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي مَوْضُوعِهِ وَرَدُّ الــطِيَـرَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالدُّعَاءُ لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّـطَـيُّـرِ وَالتَّشَاؤُمِ؛ فَكَفَارَتُهُ الدُّعَاءُ الوَارِدُ: (اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلاَ طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ) رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَعَلَى الْـمُسْلِمِ أَلَّا يَسْعَى للتَّـطَــيُّــرِ، وَلَوْ مِنْ بَابِ التَّجْرِبَةِ، وَحُبِّ الْفُضُولِ، فَيَـجِدُ نَفْسَهُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَـجْعَلَ دِينَهُ عُرْضَةً للتَّجَارُبِ، وَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ قَادَهُ الْفُضُولُ لِقُرَّاءِ الْكَفِّ، وَلِسَمَاعِ كَلَامِ الدَّجَالِينَ وَالْكُهَّانِ، ثُـمَّ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي قَالُوهُ لَهُ؛ فَأَصْبَحَ أَسِيـرًا لِلْمُشَعْوِذِينَ وَالدَّجَالِيـنَ وَالْكُهَّانِ!

الزَّجْرُ وَالطَّـيْـرُ وَالْكُهَّانُ كُلُهُمُ                                     مُضَلِّلُونَ وَدُونَ الْغَيْبِ أَقْفَالُ

فَعَلَيْنَا – عِبَادَ اللهِ- اِجْتِنَابُ التَّطَـيـُّــرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ، وَرَبْطُ النَّاسِ بِاللهِ، وَأَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ سُبْحَانَهِ.اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَـمِيلًا......

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.