خُطْبَة: وَقْتٌ لا يُرَدُّ فِيْهِ الدُّعَاءُ، البَعْضُ عَنْهُ غَافِلٌ.
الخُطْبَةُ الْأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
1. عِبَادَ الله: هُنَاكَ وَقْتٌ يَغْفَلُ فِيْهِ بَعْضُ النَّاسِ عَنِ الدُّعَاءِ فيه، وَهُوَ مَا بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، إِمَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ بِالْحُضُورِ إِلَى المَسْجِدِ، أَوْ يَكُوْنَ مَشْغُوْلاً فِيْ بَيْتِهِ، أَوْ عَمَلِهِ، أَوْ يَنْشَغِل بِالحَدِيْثِ مَعْ مُجَاوِرِيْهِ فِيْ المَسْجِدِ، مَعْ ثُبُوتِ أنَّهُ وَقْتُ لإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ، وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ:
2. قَالَ ﷺ:( الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ). رَوَاهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ.
3. وَقَالَ ﷺ:( الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مُسْتَجَابٌ فَادْعُوا). أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حَبَّان بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ.
4. وَقَالَ ﷺ:(الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ). أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنْ الحَسَنِ.
5. وَقَالَ ﷺ:(ساعتان تُفتَّحُ فيهما أبوابُ السَّماءِ وقلَّما تُرَدُّ على داعٍ دعوتَه عند حضورِ النِّداءِ ك،والصَّفِّ في سبيلِ اللهِ). رَوَاهُ ابْنُ حَبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ بسَنَدٍ صَحِيْحٍ.
6. وقَالَ ﷺ:(ثِنتانِ لا تُرَدَّانِ أو قلَّما تردَّانِ؛الدُّعاءُ عندَ النِّداءِ ،وعندَ البَأسِ حينَ يُلحِمُ بعضُهُم بَعضًا). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيره بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ.
7. قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ بَاز- رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه- (فَإِنْ قَرَأَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، فَلَا بَأس، وَإِنْ تَحَرَّى الدُّعَاءِ، وَتَرَكَ القِرَاءَةَ فَلَا بَأْس؛ لِأَنَّ الدُّعَاء بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَة، تُرْجَى إِجَابَتهُ كَمَا فِيْ الحَدِيْثِ: الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ، فَإِذَا خَصَّ هَذِهِ الجَلْسَة بِالدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ دَعَوَاتٌ جَامِعَةٌ فَهَذَا طَيِّبٌ، وَتُرْجَى إِجَابَتهُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ، وَإِنِ اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤْذِي مَنْ حَوْلَهُ، مِنَ الْمُصَلِّينَ، أَوْ الْقُرَّاءِ، قِرَاءَةً هَادِئَةً لَا يَتَأَذَّى بِهَا مَنْ حَوْلَهُ، وَلَا يُشَوِّشُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنْ بَكَرَّ، وَقَرَأَ قَبْلَ الْأَذَانِ، حَصَلَ فَضْل لَهُ الْمُسَابَقَةُ وَالتَّبْكِيرُ لِلصَّلَاةِ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ الْمُسَابَقَةِ، وَأَجْرُ التَّبْكِيرِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مَزِيداً مِنَ الْفَضْلِ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كُلّ هَذَا لَهُوَ خَيِّرٌ عَظِيمٌ، وَفَضْلٌ عَظِيْمٌ).
8. قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ عُثَيْمِيْنَ: رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه-: (الْدُّعَاء بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ، وَمِنَ الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: أَنْ تَدْعُوَ اللهَ فِي الْسُّنَّةِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ الصَّلَاةِ :فَإِنَّ السُّنَّةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِيهَا دُعَاءٌ فِي السُّجُودِ، وَفِيهَا دُعَاءٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَفِيهَا دُعَاءُ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّكَ إِذَا دَعَوْتَ اللهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَقَدْ دَعَوْتَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يُرَدُّ ، ولِأَنَّ الدُّعَاءَ دَاخِل الصَّلَاةِ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ ) مِثْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِمُعَاذٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (إنِّي لأحبُّكَ يا معاذُ فقال معاذ: وأنا أحبُّكَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ ﷺ: فلا تَدَعْ يا معاذ أن تقولَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ: اللهُمَّ أعنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ) فَهَذَا قَبْلَ السَّلَامِ. انْتَهَى كَلَامَهُ رَحِمَهُ الله.
9. وَقَالَ شَيْخُنَا صَالِحَ الفُوزَان -حَفِظَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ-: (الدُّعاءُ بَيْنَ الأذانِ وَالإقامةِ، مُتَأَكَّدٌ وَمَشْرُوْعٌ، لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأذان وَالإِقَامَةَ وَيُفَوِّت، أَمَّا قِرَاءَةُ القُرْآن لَا تُفَوَّت، تُقْرَأُ فِيْ وَقْتٍ آخَر)
10- وَقَدْ تَعْجَّبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، مِنْ أَنَّ بَعْض المُصَلِّيْنَ يُنْهِي السُّنَّةَ قَبْلَ وَقْتِ الإِقَامَةِ بِوَقْتٍ طَوِيْلٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ، وَالأَفْضَلُ لِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَدْعُوَا فِيْ السُّجُوْدِ ،وَإِذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولَ السُّجُودِ، فَلَهُ أَنْ يُطِيْلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُدِ، فَهَذَا خَيْرٌ لَهُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.
***************** الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:******************
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.عِبَادَ اَللَّهِ؛ اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ اَلتَّقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اَلْمَسْؤُولِيَّةَ اَلْمُلْقَاةُ عَلَى عَوَاتِقِنَا عَظِيمَة، مَسْؤُولِيَّة حِمَايَةِ أَبْنَائِنَا، وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقَدِيَّةِ، وَمِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْأَخْلَاقِيَّةِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَقُومَ بِمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، بِحِمَايَةِ هَذِهِ اَلنَّاشِئَةِ مِنْ جَمِيعِ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. أَوْ تَضُرُّ بِبِلَادِهِمْ، جَعَلَهُمْ رَبِّي قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمْ إِلَى البِّرِ وَالتَّقْوَى، وأَصْلِحْ بِهِمْ البِلَادُ وَالعِبَادُ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، والاستقرار، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، الَّلهُمَّ أَصْلِحْ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وآلِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، ا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ,، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.