الْخُطْبَةُ الْأُولَى خُطْبَةُ: مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَي بِلَادِنَا
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
1. عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ زَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَنَا بُشْرَى، وَيَا لَهَا مِنْ بُشْرَى، بَثَّ لَنَا بُشْرَى عَظِيمَةً، مُطَمْئِنَةً، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا).
2. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا التَّطْمِينِ تَطْمِينٌ؟ إِنَّ هَذَا التَّطْمِينَ لِلْعُقَلَاءِ فَقَطْ، وَلِأَصْحَابِ الْأَلْبَابِ، وَأُولُو الْأَفْهَامِ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ الْأُمُورَ حَقَّ قَدْرِهَا.
3. عِبَادَ اللهِ: أَلَا تَرَوْنَ مَا نَعِيشُهُ، في هذه البلاد المباركة " المملكة العربية السعودية " حرسها الله، مِنْ أَمْنٍ وَأَمَانٍ فِيمَا حَوْلَنَا كَمَا وَصَفَ اللهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}.
4. اُنْظُرُوا، إِلَى مَا حَوْلَنَا مِنَ الْبُلْدَانِ، وَمَا فِيهَا مِنْ قَلَاقِلَ وَاضْطِرَابَاتٍ، وَاخْتِلَالٍ لِلْأَمْنِ، وَتَدَهْوُرٍ بِالِاقْتِصَادِ، فَتَحَوَّلَتْ بُلْدَانُهُمْ إِلَى جَمَاعَاتٍ وَأَحْزَابٍ، وَفِرَقٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَنَاحِرَةٍ، يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاخْتَلَّ أَمْنُهُمْ، وَتَكَدَّرَتْ مَعِيشَتُهُمْ، وَذَهَبَتْ صَفْوُ حَيَاتِهِمْ، فَأَصْبَحَتْ حَيَاتُهُمْ بَيْنَ أَكْدَارٍ، وَمُنَغِّصَاتٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
5. {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فَعَلَيْنَا الِاتِّعَاظُ والِاعْتِبَارُ.
6. فَانْظُرُوا إِلَى مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}، فَنِعَمُ الْإِلَهِ عَلَيْنَا عَظِيمَةٌ، نَعُدُّهَا، وَلَكِنْ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحْصِيَهَا، وَمِنْ هَذِهِ النِّعَمِ:
7. نِعْمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، فَهَذِهِ نِعَمٌ لَا تَعْدِلُهَا نِعَمٌ.
٨. وَنِعْمَةُ وُلَاةِ أَمْرٍ، يَقُومُونَ بِالتَّوْحِيدِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَيْهِ، وَيُحَارِبُونَ مَا يُضَادُّهُ، وَيَسْهَرُونَ عَلَى مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ، حَفِظَهُمُ اللهُ بِحِفْظِهِ، وَأَحَاطَهُمْ بِعِنَايَتِهِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُظْهِرَ مَحَاسِنُهُمْ الْعَظِيمَةُ، وَأَفْضَالهُمْ عَلَيْنَا، وَأَنْ نَدْعُو لَهُمْ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ، وَأَنْ نَحْفَظَ لَهُمْ هَيْبَتَهُمْ، فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ ، وَأَنْ نُرَبِّيَ الْأَوْلَادُ وَالْأَهْلُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا عَلَيْنَا أَنْ نُؤَكِّدَ أَهَمِّيَّة وُجُوبُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَطَاعَةُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مَغْنَمٌ، وَفَوْزٌ عَظِيمٌ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَاطِبةً عَلَى إِيرَادِ حَقِّ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي كُتُبِ الِاعْتِقَادِ، فَمَا خَلَا مُعْتَقَدٌ مِنْ مُعْتَقَدَاتِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، مِنْ دُونِ إِيرَادِ حَقِّ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَمَا إِيرَادُهُمْ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ إِلَّا لِأَنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَقِيدَةً رَاسِخَةً فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ ، وَلَيْسَ كَلَامٌ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الْعِبَادِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ، وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ .
٩. عِبَادَ اللهِ: عَلَيْنَا الْحَذَرُ كُلّ الحَذَرِ مِنَ السَّمَاعِ لِدُعَاةِ الْفِتَنِ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ بِخَيْلِهِمْ وَرِجْلِهِمْ، لِبَثِّ الْفِتْنَةِ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِي، وَنَشْرِ الْفَوْضَى وَالْاضْطِرَابَاتِ، فَسَبَّبُوا فِتَنًا، وَمِحَنًا وَطوَامًا، حَلَّتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي بَثُّوا فِيهَا الْفِتَن، فَتَفَرَّقُوا، وَتَشَرَّدُوا، وَفَقَدُوا الْأَمْنَ وَالْإِيمَانَ، فَوالله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَنَّ السَّمَاعَ لِدُعَاةِ الْفِتْنَةِ، وَمَا يَبُثُّونَهُ مِنْ شَائِعَاتٍ، عَبْرَ إِعْلَامِهِمْ، وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجتماعي، وَغَالِبهُمْ يَعِيْشُونَ فِي بِلَادِ الْغَرْبِ مُرَفَّهِيْنَ مُنَعَّمِيْنَ، فَتُوَرِّثُ دَعَوَاتهمْ الْحُرُوبَ وَالدَّمَار، وَالشَّتَات وَالانْفِلَات، وَصَدَقَ فِيهِمْ واللهِ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُ الْحَقِّ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا، وَأَحَلُّوا قُوَّمهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)، فَمَا اسْتَجَابَ لِنِدَاءَاتِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ ضَيَاعًا، وَشَتَاتًا، فَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَمِنْهَا: نِعْمَةُ الْأَمْنِ، وَوَحْدَةُ الصَّفِّ، وَاتِّحَادُ الْكَلِمَةِ، فَواللهِ لَا يَتِمُّ الاسْتِقْرَارُ بِكَافَّةِ صُوَرِهِ، وَلَا يَتِمُّ الْأَمْنُ إِلَّا بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ.
١٠.فَجُهُودُ خَادِمِ الْحَرَمَيْنِ، وَجُهُودُ سُمُوِّ وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَنَائِبِهِ، وَرَئِيسِ مَجْلِسِ الْوُزَرَاءِ، ــ سَدَّدَهُمُ اللهُ وَوَفَّقَهُمْ ــ فِي تَعْزِيزِ الْأَمْنِ، وَالِاسْتِقْرَارِ، أَمْرٌ يُذْكَرُ فَيُشْكَرُ، فَلَيْسَ فِي بِلَادِنَا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- طَبَقِيَّةٌ، وَلَا مَنَاطِقِيَّةٌ، وَلَا قَبَلِيَّةٌ، وَلَا عُنْصُرِيَّةٌ.
١١.وَهَذِهِ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، فَكَيْفَ بِدَوْلَةٍ بِحَجْمِ قَارَّةٍ، بَلْ سَعَةُ عَاصِمَةِ بِلَادِنَا تَعْدِلُ دُوَلًا مُجْتَمَعَاتٍ، وَمَعَ ذَلِكَ تَجِدُ الْأَمْنَ، وَالتَّرَابُطَ، وَالتَّلَاحُمَ، وَالِاسْتِقْرَارِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ.
١٢. وَنِعْمَةُ الِاسْتِقْرَارِ السِّيَاسِيِّ، وَالِاقْتِصَادِيِّ، وَالْأَمْنِيِّ، وَالِاجْتِمَاعِيِّ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ.
١٣.وَنِعْمَةُ حُسْنِ الْعَلَاقَةِ، بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، وَسُهُولَةِ التَّوَاصُلِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ.
١٤.وَنِعْمَةُ قُوَّةِ التَّلَاحُمِ وَالتَّرَابُطِ، بَيْنَ أَبْنَاءِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ، فَهُمْ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ-، عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يَتَعَايَشُونَ مَعَ بَعْضِهِمْ، مع اختلاف مُدنهم ومناطقهم، وعاداتهم وتقاليدهم، ومع ذلك فالجميع يعيشوا بأمن ورخاء، وَيَنْعَمُونَ بِالْعَدْلِ، فَلِكُلِّ فَرْدٍ حَقٌّ، وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ.
١٥.وَنِعْمَةُ وُجُودِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ! نَغْدُوا إِلَيْهَا وَنَرُوحُ، بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ.
١٦.فَاشْكُرُوا الْمُنْعِمَ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
١٧.عِبَادَ اللهِ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا، أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي فِيهَا صَلَاحُ دِينِكُمْ، وَدُنْيَاكُمْ كَثِيَرةٌ، وَعَلَيْكُمْ مَزِيدٌ مِنَ الِاهْتِمَامِ، وَالْعِنَايَةِ بِهَا، مِنْ أَهَمِّهَا:
١٨.مَعْرِفَةُ قِيمَةِ التَّوْحِيدِ، الَّذِي هُوَ أُسُّ بِلَادِنَا وَأَسَاسُهَا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ-، فَلَا أَضْرِحَةَ، وَلَا قُبُورَ، وَلَا مُنَادَاةَ لِمَقْبُورٍ، وَلَا شِرْكَ، وَلَا أَيًّا مِنْ مَظَاهِرِهِ فِي بِلَادِنَا، فَحَافِظُوا عَلَيْهِ؛ وَرَبُّوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يُضَادُّهُ، مِنَ الشِّرْكِ؛ وَدُعَاءِ الْمَخْلُوقِ، وَالسِّحْرِ، وَالْكَهَانَةِ، وَالشَّعْوَذَةِ، وَالدَّجَلِ، وَالْخُرَافَاتِ، وَالْبِدَعِ بِكَافَّةِ صُوَرِهَا، وَأَشْكَالِهَا، الْأَصْلِيَّةِ مِنْهَا وَالْإِضَافِيَّةِ.
١٩.كَمَا أَنَّ عَلَيْكُمْ مَعْرِفَةَ نِعْمَةِ الصَّلَاةِ، وَنِعْمَةِ وُجُودِ الْمَسَاجِدِ، فَاحْرِصُوا عَلَى عِمَارَتِهَا، وَعَدَمِ التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَحُثُّوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَاصْبِرُوا عَلَيْهِمْ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَعَدَمِ الْمَلَلِ، أَوِ التَّضَجُّرِ، بَلْ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
٢٠.فَكَمَا صَبَرَ الْآبَاءُ عَلَيْنَا، فَنَحْنُ أَوْلَى بِالصَّبْرِ مِنْهُمْ، عَلَى أَبْنَائِنَا، لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْمُلْهِيَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، لَا تُقَارَنُ -بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ- بِالْمُلْهِيَاتِ فِي الْأَزْمَانِ السَّابِقَةِ، فَأَبْنَاءُ زَمَانِنَا، الْمُشْغِلَاتُ وَالْمُلْهِيَاتُ، الْمُتَوَفِّرَةُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، قَدْ تَشْغَلُهُمْ، عَنْ وَاجِبَاتِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَاوِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَعَنْ دِرَاسَتِهِمْ، وَكَسْبِ مَعَاشِهِمْ، كَانَ اللهُ بِعَوْنِهِمْ، فَعَلَيْنَا الصَّبْرَ عَلَيْهِمْ.
٢١.فَكُنْ أَيُّهَا الْأَبُ، وَكُونِي أَيَّتُهَا الْأُمُّ، عَوْنًا لَهُمْ، وَخَيْرُ مَا يُعَانُونَ بِهِ، الدُّعَاءُ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ، وَالْقُرْبُ مِنْهُمْ، وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ أَوْقَاتِهِمْ، وَزَرْعِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ؛ حَتَّى يَهَابُوا الْحَرَامَ، وَيَكُونَ شِعَارُهُمْ: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
٢٢.فَأَسِّسُوهُمْ خَيْرَ أَسَاسٍ عَلَى تَقْوَى اللهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ}.
٢٣.فَحُسْنُ التَّرْبِيَةِ، وَالتَّوْجِيهِ، يُقَلِّلُ مِنَ انْحِرَافَاتِ الْأَبْنَاءِ، وَضَيَاعِهِمْ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذَلِكَ.
٢٤.كَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ جَمِيعًا قِيمَةَ الْأَمْنِ الَّذِي نَعِيشُهُ، وَنِعْمَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ، الَّذِي يُقِيمُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ مَصَالِحَ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ نَزْرَعَ فِي قُلُوبِ الْأَبْنَاءِ، مَحَبَّةَ الْوُلَاةِ، وَالدُّعَاءَ لَهُمْ، فَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِوَلِيِّ أَمْرٍ تَدْعُو لَهُ، وَيَدْعُو لَكَ.
٢٥.وَعَلَيْنَا مَعْرِفَةُ نِعْمَةِ التّوَاَصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، بَيْنَ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ، فَكَثِيرٌ مِنَ الْبُلْدَانِ، أَهْلُهَا مَا يَعْرِفُونَ الْقَرِيبَ مِنْ أَقَارِبِهمْ، إِلَّا أَقَارِبَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَحَبَانَا اللهُ، بِبَلَدٍ التَّعَارُفُ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْأُسْرَةِ، وَالْقَبِيلَةِ، وَاسِعٌ، بَلْ يَصِلُ فِي بَعْضِهِمْ، إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فَوْقَ الْجَدِّ السَّادِسِ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ-.
٢٦.فَعَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ، قِيمَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَنَزِيدَ فِي تَعْزِيزِهَا، وَتَنْمِيَتِهَا، فِي الْقُلُوبِ النَّاشِئَةِ.
٢٧.وَاللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، الَّتِي تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَلَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: —————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اَللَّهِ: اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ اَلتَّقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اَلْمَسْؤُولِيَّةَ اَلْمُلْقَاةُ عَلَى عَوَاتِقِنَا عَظِيمَة، مَسْؤُولِيَّة حِمَايَةِ أَبْنَائِنَا، وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقَدِيَّةِ، وَمِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْأَخْلَاقِيَّةِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَقُومَ بِمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، بِحِمَايَةِ هَذِهِ اَلنَّاشِئَةِ مِنْ جَمِيعِ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .أَوْ تَضُرُّ بِبِلَادِهِمْ، جَعَلَهُمْ رَبِّي قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمْ إِلَى البِّرِ وَالتَّقْوَى، وأَصْلِحْ بِهِمْ البِلَادُ وَالعِبَادُ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، والاستقرار، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، الَّلهُمَّ أَصْلِحْ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وآلِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، ا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ,، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.