الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
• عِبَادَ اللهِ، الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ، يُرَبِّي الإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الإِسْلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ؛ اِمْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
• قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِـمَهُ اللهُ: (وَقَدْ أَجْـمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا- لَيْسَ بِـمَنْهِيٍّ عَنْهُ- فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ) بَلْ أَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ بِـهَذَا الْوَعْدِ.
• وَضَرَبَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ الْمُشْرِقَةِ الْمُضِيئَةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ؛ فَحِينَمَا صَالَـحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْـحُدَيْبِيَةَ مَعَ مَا فِي ظَاهِرِ هَذَا الصُّلْحِ مِنْ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِيـنَ؛ إلّا أَنَّهُ صَلَّى، اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ أَمْضَاهُ، وَوَفَّى بِهِ ، وَكَانَ مِنْ بُنُودِهِ أَنْ تُوضَعَ الْـحَرْبُ بَيْنَ الْجَانِبَيـنِ عَشْرَ سِنيـنَ ، قَالَتْ قُرَيْشٌ :( أَلَّا يَأْتِينَّكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ؛ إلّا رَدَدْتَهُ إِلَينَا؛ فَوَافَقَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، عَلَى هَذَا الْبَنْدِ، وَمَا إِنْ اِنْتَهَى الصُّلْحُ وَأُمْضِي إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلٍ بُنِ عَمْرٍ يَرْسِفُ فِي قُيُودِهِ، وَرَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ زَعيمُ قُرَيْشٍ سُهَيْلُ بُنُ عَمْرٍ، وَلَمْ يَكِنُ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ :( هَذَا يا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيهِ، أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ ) فَرَدَّهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، إِمْضَاءً لِلْعَهْدِ، ثُـمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلَ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلُ أَبُو بَصيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ ، مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ، فَارًّا بَدينِهِ؛ فَأَرْسَلَ الْمُشْرِكُونَ رَجُلَيْـنِ فِي طَلَبِهِ، فَقَالُوا لِلْنَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ :( الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَهُ لَنَا)؛ فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْـنِ؛ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، وَقَدْ ثَبَتَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَلَى دِينِهِمَا مَعَ شِدَّةِ مَا لَاقَوْهُ ، ثُـمَّ كَانَ نَقْضُ الْعَهْدِ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا تَجَلَّى وَفَاءُ سَيِّدِ الأوفياءِ مَعَ أَعِدَاءِ الإسلام؛ فَأَتَـمَّ وَأَوفَى، وَلِـمَ لَا وَهُوَ مَنْ أَمَرَنَا بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وَحَثَّنَا عَلَيهَا، وَحَذَّرَنَا مِنْ نَقْضِهَا؟ وَهُوَ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، الأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ. فالإِسْلَامُ دِيـنٌ عَظِيمٌ، يَلْتَزِمُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَيَأْمُرُ أَتْبَاعَهُ بِالْوَفَاءِ بِـهَا؛ وَالْمُؤْمِنُ يَلْتَزِمُ بِالْعُهُودِ طَاعَةً للهِ، وَاِلْتِزَامًا بِشَرْعِهِ، وَإِنْفَاذًا لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وقَولِهِ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)
• وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ مِنْ سِـمَاتِ أَهْلِ الإِيـمَانِ؛ حَيْثُ مَدَحَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْوَافِيـنَ بِعَهْدِهِمْ، وَبَيـَّنَ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَّقِيـنِ الصَّادِقِيـنَ؛ وَذَلِكَ حِيـنَ قَالَ تَعَالَى: (...وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
• وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَالصِّدْقُ فِي الْوَعْدِ؛ مِنْ صِفَاتِ الأَنْبِيَاءِ، وَشِيَمِ الصَّالِـحِيـنَ؛ قَالَ تَعَالَى وَاصِفًا نَبِيَّهُ إِسْـمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا).
• وَقَدْ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْوَفَاءِ بِكُلِّ الْعُهُودِ والعُقُودِ؛ حَتَّـى بِالْعُقُودِ، وَالْعُهُودِ، والأَيْـمَانِ؛ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْـجَاهِلِيَّةِ؛ مَا دَامَتْ تَـحُضُّ عَلَى التَّعَاوُنِ؛ فقَالَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْفُوا بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا شِدَّةً) رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
• وَعن أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: "بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَقَعَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: " إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ" رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمَعْنَـى : لَا أَخِيسُ: لَا أَنْقُضُ الْعَهْدَ.
• عِبَادَ اللهِ، وَلَقَدْ سَارَ صَحَابَةُ النَّبِـيِّ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، عَلَى نَـهْجِهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ؛ فَقَدْ كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِم؛ْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدَرَ، فَنَظَرُوا فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلَا يَحُلُّهَ؛ا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ. رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِـمَهُ اللهُ: (وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّـمَا نَـهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ خَدِيعَةٌ بِالْمُعَاهِدِينَ إِنْ لَـمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُـخَالَفَةٌ لِمَا اِقْتَضَاهُ لَفْظُ الْعَهْدِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ مُـخَالَفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَفْظًا، أَوْ عُرْفًا خَدِيعَةٌ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ). اِنْتَهَى كَلَامُهُ رَحِـمَهُ اللهُ.
• وَلَقَدْ ضَرَبَتْ بِلَادُنَا – وَللهِ الْـحَمْدُ- مِنْذُ أُسِّسَتْ؛ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، فِي قَرَارَاتِـهَا الْفَرْدِيَّةِ وَتَـحَالُفَاتِـهَا؛ حَتَّـى مَعَ نَقْضِ أَعْدَائِهَا لِمُعَاهَدَاتِـهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ الْـحُوثِيَّةُ الَّذِينَ نَقَضُوا عَشَرَاتِ الْعُهُودِ، وَكَلَّمَا مَدُّوا أَيدِيهِمْ لِلصُّلْحِ؛ مُدَّتْ إِلَيْهِمُ الأَيْدِي؛ حِرْصًا عَلَى الْيَمَنِ وَمَصَالِـحِهَا. وَبِلَادُنَا وللهِ الْـحَمْدُ قَوِيَّةٌ وَعَزِيزَةٌ، وَلَا تَتَنَازَلُ أَوْ تَتَصَالَـحُ عَنْ ضَعْفٍ أَوْ خَوَرٍ؛ وَإِنَّـمَا تَقْدِيرًا لِلْمَصَالِـحِ، وَدَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ، وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحِةِ الْيَمَنِ، الَّتِـي لَا تَـهُمُّ الْـحُوثِيَّةَ وَمَنْ مَعَهَا، وَهِيَ -وَللهِ الْـحَمْدُ- لَـمْ يُعْرَفْ عَنْهَا يَوْمًا أَنَّـهَا نَقَضَتْ عَهْدًا، وَلِذَا جَعَلَهَا اللهُ مُوَفَّقَةً وَمُبَارَكَةً، نِعَمُ اللهِ عَلَيْهَا تَتَوَالَى، وَأَمْنُهَا مُسْتَقِرٌّ، وَقَدْ تُـخطِّفَ النَّاسُ مِنْ حَوْلِـهَا؛ فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيـمَ لَنَا الأَمْنَ والأَمَانَ، والسَّلَامَةَ وَالإِسْلَامَ.
• أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ تَتَـرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَـمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ، يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْـجَمَاعَةِ؛ فَمِنْ هَذِهِ الثَّـمَرَاتِ:
1- الإِيـمَانُ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. أَيْ: مَنْ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْـنَ أَحَدٍ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، ثَـمَّ غَدَرَ مِنْ غَيْـرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ؛ فَدِينُهُ نَاقِصٌ.
2- تَـحَقُّقُ التَّقْوَى: فَالتَّقْوَى أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللهِ، وَثَـمَرَةٌ مِنْ ثَـمَرَاتِ الاِلْتِزَامِ بِـمِيثَاقِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
3- مَـحَبَّةُ اللهُ: أَثْبَتَ اللهُ مَـحَبَّتَهُ لِلْمُتَّقِيـنَ الْمُوفِيـنَ بِعَهْدِهِمْ، الْمُسْتَقِيمِيـنَ عَلَى عُهُودِهِمْ وَمَوَاثِيقِهِمْ؛ حَتَّـى مَعَ أَعْدَائِهِمِ؛ مَا اِسْتَقَامُوا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْعُهُودِ، قَالَ تَعَالَى:﴿ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾.
4- صَوْنُ الأَعْرَاضِ وَالدِّمَاءِ، وَتَـحَقُّقُ الأَمْنِ: لَـمْ تَقْتَصِرِ آثَارُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِيـنَ وَحْدَهمُ، وَإِنَّـمَا شَـمَلَ أيْضًا الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَـمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلَامِ، وَلَـهُمْ عُهُودٌ مَعَ الْمُسْلِمِيـنَ، فَأَوْجَبَ الإِسْلَامُ الْوَفَاءَ لَـهُمْ بِالْعُهُودِ والْمَوَاثِيقِ، صِيَانَةً لِدِمَائِهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُ).
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نُضَلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَـجْهَلَ، أَوْ يُـجْهَلَ عَلَيْنَا.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...